العلويون عبر التاريخ: من الجبال إلى الساحل، قصة صمود وظلم

في قلب الجبال وعلى ضفاف الساحل السوري، يروي العلويون قصة شعب صمد عبر قرون من التحديات. هذه الطائفة، التي تشكل جزءًا من النسيج الاجتماعي في سوريا وتركيا، واجهت فترات من التمييز والعنف، من الإمبراطورية العثمانية إلى العصر الحديث. يهدف هذا المقال إلى استعراض هذه الأحداث بشكل محايد، مع تقديم أرقام دقيقة حيثما توفرت، حتى تاريخ 6 أبريل 2025.
العهد العثماني: جذور التمييز
تحت الحكم العثماني (1516-1918)، واجه العلويون، المعروفون آنذاك بـ”النصيريين”، سياسات تمييزية بسبب انتمائهم المذهبي المختلف عن الأغلبية السنية. في القرن السادس عشر، بعد ضم الشام، يُزعم أن حملات السلطان سليم الأول استهدفت جماعات مشتبه بولائها للصفويين، بما في ذلك العلويون. روايات شعبية تتحدث عن مذابح مثل “التلل” في حلب (1516-1517)، حيث تتراوح التقديرات بين 40,000 و200,000 قتيل، لكن المؤرخين، مثل ستيفان وينتر، يرون أن هذه الأرقام مبالغ فيها وغير مدعومة بسجلات رسمية.
ديرسم 1937: مأساة موثقة
في تركيا الحديثة، شهدت منطقة ديرسم (تونجلي حاليًا)، ذات الغالبية العلوية والكردية، انتفاضة ضد سياسات التعريب والمركزية لمصطفى كمال أتاتورك. بين 1937 و1938، قُمعت الانتفاضة بعنف. وفقًا لتقارير رسمية تركية، قُتل حوالي 13,000 شخص، بينما تُقدر مصادر مستقلة، مثل تلك التي جمعها المؤرخ ناشي ناشي، العدد بما يصل إلى 70,000، بما في ذلك نساء وأطفال. شُرد عشرات الآلاف، واعتُبرت هذه الأحداث من أبرز الانتهاكات ضد العلويين في القرن العشرين.
هجمات طائفية في الجمهورية التركية
استمر التوتر في تركيا خلال القرن العشرين:
• مَدْيَات 1978: في مدينة ماردين، هاجمت ميليشيات قومية قرى علوية، مما أدى إلى مقتل 11 شخصًا وإصابة العشرات، وفقًا لتقارير صحفية معاصرة.
• سيواس 1993: في فندق ماديماك، أُضرمت النيران خلال مهرجان ثقافي علوي، ما أسفر عن مقتل 37 شخصًا، معظمهم من المثقفين العلويين، في هجوم طائفي وثّقته منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش”.
كانت هذه الأحداث مرتبطة مباشرة بالدولة التركية، و تعكس مناخًا من التوتر الطائفي استمر في ظل سياسة قمع للأقليات.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، شهدت المناطق الساحلية السورية، معقل العلويين، تصاعدًا في العنف بدءًا من مارس 2025. وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل 1383 مدنيًا، معظمهم علويون، بين 6 و12 مارس، في هجمات نفذتها فصائل مثل “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا. الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت 803 قتلى، منهم 39 طفلاً و49 امرأة، فيما ذكرت “هيومن رايتس ووتش” إعدامات ميدانية في قرى مثل المختارية (38 قتيلاً). تركيا نفت التورط المباشر، لكن دعمها للفصائل التركمانية بشكل خاص وتوجيهها المباشر لحكومة دمشق بشكل اكثر خصوصية يؤكد تورطها وأثار أيضا انتقادات دولية.
على الرغم من هذه المآسي، حافظ العلويون على هويتهم وإرادتهم. من ديرسم إلى الساحل السوري، يروي الناجون قصصًا عن الإعدامات والتهجير، لكن أصواتهم تستمر في المطالبة بالعدالة. الأرقام تتفاوت—من عشرات الآلاف في ديرسم إلى مئات في سيواس وآلاف في سوريا—لكنها تعكس نمطًا من التحديات التي واجهت هذا المجتمع.
من الإمبراطورية العثمانية إلى الجمهورية التركية والصراع السوري، يظل تاريخ العلويين مليئًا بالصمود والمعاناة. الأحداث الموثقة، مثل ديرسم والساحل السوري، تؤكد حجم الخسائر.
العدالة، كما يراها البعض، ليست مجرد مطلب، بل ضرورة إنسانية لضمان مستقبل يسوده السلام لجميع الشعوب.